SEKEM Ecology

سيكم – واحة مزهرة في الصحراء المصرية

مكافحة التصحر من خلال زراعة حيوية شاملة

تُعرف مصر كواحدة من أقدم الحضارات الزراعية على وجه الأرض. منذ آلاف السنين، ترك فيضان نهر النيل السنوي خلفه أرضًا صحية وخصبة للمصريين ليزرعوا بها غذاءهم. ولأن مصر ليس لديها أي أمطار مؤثرة، كان نهر النيل كالبئر في صحرائها لإطعام سكانها.

The Nile is a source of life
نهر النيل هو مصدر الحياة

ولكن الزمن قد تغير. بُني سد العالي بأسوان، الذي يمد الدولة بالطاقة منذ بنائه، بل أيضًا يحجز طمي النيل الخصب لإنعاش الدلتا. وفي المقابل، بدأ المزارعون في استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات لزيادة كفاءة وإنتاجية المحصول. اليوم، لا يقتصر الأمر فقط على تدمير النظام الطبيعي وإلحاق المزيد والمزيد من التلوث به فحسب، ولكن مع الزيادة السكانية سيكون من المستحيل إنتاج المياه الكافية لإطعام الدولة باكملها، حتى ولو كان النيل نقيًا كما كان في العصور القديمة، فالبلد حقًا يعيش أزمة نقص المياه.  إن متوسط استخدام المياه للفرد في مصر حوالي 660 متر مكعب في العام الواحد، ولكن حول العالم يبلغ حوالي ألف متر مكعب. وتتوقع الأمم المتحدة أن توافر المياه سينخفض إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد في العام الواحد بمصر في عام 2025.

مصر ستنفد منها المياه

تحتل أكثر من 90 بالمئة من مساحة مصر أراضي صحراوية جدباء كما تستهلك مساحة 6 بالمئة تقريبًا من التربة الزراعية أكثر من 80 بالمئة من موارد المياه. على الرغم من ذلك، فإن هذه المساحة الصغيرة من الأرض الخصبة لا تكفي تلبية الاحتياجات الغذائية في الدولة – على الرغم من أن استخدام مياه نيل قد تضاعف بالفعل. وهذا في الواقع يسبب المزيد من المشاكل. إن قنوات مياه الصرف الصحي غارقة بمياه الصرف الزراعي الملوثة بالأسمدة الكيماوية والمبيدات، والتي بالتالي تسبب العديد من الأمراض كالبيلهارسيا، تلك العدوى التي تسببها ديدان طفيلية تعيش في مصادر المياه الداخلية الدافئة.

إن فقدان وجود إعادة تدوير للنفايات هو تحدي كبير آخر يجلب آثارًا خطيرة على الصعيد البيئي والصحة العامة. فوفقًا للبنك الدولي، أنتجت مصر 89.03 مليون طن من النفايات الصلبة في عام 2012. 60 بالمئة فقط من النفايات تم إدارتها بعمليات رسمية وغير رسمية، وما تبقى تم إلقائه في الطرق أو في مكبات غير شرعية.

The waste management is a huge problem in Egypt
إدارة النفايات، مشكلة كبيرة تواجه مصر.

مصر تأثرت بشدة بالتغير المناخي

كل هذا يساهم في حقيقة أن مصر هي الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ. إن ارتفاع منسوب مياه البحر هو مثلًا نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري. وبالتالي تهبط دلتا النيل بالفعل بمعدل 3 إلى 5 ميلليمترات في العام الواحد. إن ارتفاع 1.0 متر سيغرق ربع دلتا النيل، أي أكثر من 10 بالمئة من السكان بمصر سيفقدون منازلهم.

عندما عاد الدكتور المصري إبراهيم أبوالعيش إلى وطنه بعد قضاء 20 عامًا في النمسا، استطاع بالفعل أن يتوقع كل تلك التحديات. وأتته رؤيا:

’’في منتصف الرمال والصحراء، أرى نفسي واقفًا كبئر يمد المياه، وبحرص أزرع الأشجار والنباتات والزهور وأسقي جذورهم بقطرات المياه الثمينة. فمياه البئر الباردة تجذب البشر والحيوانات لإنعاش وتنشيط أنفسهم‘‘.

اشترى د.إبراهيم أبوالعيش أرضًا صحراوية بالقرب من القاهرة، وبدأ في استصلاح التربة المجدبة باستخدام أساليب الزراعة الحيوية. كان هدفه هو تأسيس مبادرة شاملة تعزز النتنمية المستدامة.

Chamomile field in the desert
حقل كاموميل في الصحراء

ولأن البيئة الصحية هي أساس الحياة، فالزراعة المستدامة للأرض الخصبة النادرة جدًا هي الخطوة الأولى لمكافحة التصحر، والتي من الممكن التوسع فيها لخلق المزيد من التربة الحية باستصلاح الأراضي. وبصدد التحديات السابق ذكرها، يكون الغرض الأول وقبل أي شيء هو استخدام المياه بحرص شديد. إن سيكم تؤمن بأن الزراعة الحيوية هي الحل.

الكمبوست – ذهب الصحراء الأسود

بدأت سيكم في إنتاج واستخدام الكمبوست، ’’ذهب الصحراء‘‘، كبديل طبيعي للأسمدة الكميائية لاستصلاح التربة القاحلة وتسميد النباتات بدون استخدام المبيدات الضارة أو مواد كميائية. هذا يتطلب المزيد من الوقت مقارنة مع الأساليب التقليدية، ولكنها تضمن زراعة مستمرة وبالتالي مستدامة للأراضي المستصلحة وهذا في الواقع أقل في التكلفة إذا تم تطبيق طريقة ’’محاسبة التكلفة الحقيقية‘‘. (انظر إلى دراسة ’’مستقبل الزراعة في مصر‘‘ في الاقتصاد).

Biodynamic preparations
مستحضرات بيوديناميكية

وبجانب الكمبوست، تحتاج الزراعة الحيوية إلى تدوير المحاصيل. وعن طريق تناوب استهلاك النيتروجين بالمحاصيل الغنية بالنيتروجين، يتم منع نضوب التربة. هذا بالإضافة إلى أن الجذور تعزز المزيد من المادة العضوية عندما يتم تدوير المحاصيل. مستخرجات من أشجار النيم يتم استخدامها لوقف نمو الأمراض ويتم استخدام البكتيريا النافعة كبديل فعال للمبيدات التقليدية أو المنتجات الكيميائية الأخرى التي لا تمثل ضررًا للتربة والنباتات والمياه والهواء فقط، ولكن للبشر أيضًا.

توفير المياه العذبة

اليوم، بعد حوالي 40 عامًا من زراعة أول كيلومرات من الصحراء التي استصلِحت باستخدام الكمبوست، استطاعت سيكم أن تحول  1629 فدان تقريبًا من الأرض القاحلة إلى أرض تدب بها الحياة (يترواح عمقها بين صفر إلى 30 سم)، وهي غنية بالمادة العضوية ولديها حياة بكتيرية واسعة المجال. وبالتالي، فالحقول العضوية بمزرعة سيكم لديها قدرة أكبر على الاحتفاظ بالمياه، وتحتاج إلى 20 بالمئة من الماء أقل مقارنةً بالتربة المُعاملة تقليديًا. إن الكمبوست، وكذلك المستحضرات البيوديناميكية تقوم سيكم بإنتاجها وبيعها أيضًا لمزارعين آخرين. وفي الوقت نفسه، تقوم مؤسسات زراعية أخرى تم إنشائها حول مزرعة سيكم، بإنتاج كمبوست بأنفسهم وبيع هذا السماد الغني للآخرين وللمزراعين المستخدمين للزراعة التقليدية أيضًا، الذين بدأوا في تقدير قوة الكمبوست في التسميد.

وبمجرد أن يتم استصلاح الأرض يأتي الدور الفعّال الذي تقوم به الحيوانات بالزراعة الحيوية – وفي توازن النظم البيئية بشكل عام.

SEKEM cow
عجل صغير في سيكم

ويظهر إدراك سيكم للزراعة وإدارة الثورة الحيوانية – التي تعتمد على أساليب الزراعة الحيوية – ليس فقط في  نشأة الحيوانات والحفاظ على فصائلهم، ولكن أيضًا في تلبية المتطلبات المادية لنموهم الطبيعي. وعليه، ترعى سيكم البقر والخراف والنحل والحمام. وبعيدًا عن الطعام الذي يوفروه لهم، يبقى أهم منتج هو روثهم، وهوعنصرأساسي في خليط السماد الكمبوست.

وتحتاج الواحة المستدامة إلى الهواء النقي – وهو ضروري لحياة كل الكائنات.إن سيكم تزرع الأشجار حول الحقول لعدة أسباب: الأشجار حاجز يكسر الرياح حتى لا تعصف بسطح التربة؛ والظلال تجلب الهواء الأكثر برودة ورطوبة والذي يخلق مناخ صغير فيما بين الأشجار المحيطة بالحقول؛ والتمثيل الضوئي في الأشجار يجعلها تستخدم ثاني أوكسيد الكربون وينبعث منها الأكسجين؛ وعلى المدى البعيد، سيعلو مستوى المياه الجوفية ببطء بسبب السطح الأكثر برودة وسيجلب معه المزيد من التغيير للمناخ الصغير.

تحت الشمس المصرية – طاقات متجددة

إن مصر لديها الظروف المثالية للطاقات الشمسية – من ضمن ظروف أخرى – والتي تساعد في الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري الخطيرة. وعلى الرغم من أن الطاقة يتم تدعيمها إلى حد كبير في مصر، إلا أن إطفاء ديون مشروعات الطاقة المتجددة متأخر بشكل غير مرغوب فيه. ولكن سيكم مازالت تحافظ على مشروعات الطاقة المتجددة الجارية على نطاق صغير مثل المحطات الكهروضوئية، والعديد من المجففات الشمسية الهجينة وسخانات المياه بالطاقة الشمسية المتنوعة. وقد قامت سيكم مؤخرًا بتركيب مضختين للمياه تعملان بالطاقة الشمسية لاستبدال طاقة محرك  الديزل وتعد المضختان هما الأكبر من نوعهما في مصر.

Solar water pump in SEKEM.
مضخة تعمل بالطاقة الشمسية في سيكم.

اليوم، مزرعة سيكم هي المكان الذي تكبر فيه الأشجار والنباتات والزهور وتجذب مياه البئر البشر والحيوانات لتنشيط وإنعاش أنفسهم. هذا إلى جانب أن هناك أكثر من 680 هكتار من الأراضي الصحراوية سابقًا استصلحتها سيكم وحوالي 400 مزارع من كل أنحاء مصر متعاقدين مع سيكم مما يضمن لهم دخلًا عادلًا ومستوى معيشي جيد (اقرأ المزيد عن مزارعي سيكم المتعاقدين في الجانب الاقتصادي). إن الصحراء المصرية حية ولكن الأمر يحتاج فقط الوعي السليم تجاه التحديات وإدراك طريقة مستدامة لمكافحتها.

كريستين أرلت

اقرأ المزيد عن: كيف سيكم تعمل على مكافحة التصحر في مصر في:

الحياة الثقافية

الحياة المجتمعية

الاقتصاد

كل صحراء تخفي بداخلها بئرًا